بهــاء طاهـــر

موضوع: بهــاء طاهـــر الأحد 20 مارس 2011, 2:59 am

من المعروف أن كتابات بهاء طاهر أهّلته ليكون واحدا من كبار الكتاب العرب ، وليس هذا ما أود الحديث عنه هنا ، فهناك الكثير من الدراسات والجوائز التى تكشف بوضوح عن مكانته الإبداعية ، ولكن يعنينى فى هذا المقام هو ذلك الجانب الذى يجعل من بهاء طاهر واحدا من الشخصيات التى تجسد القدوة الحقيقية للشباب ، ما يعنينى هو تلك التصرفات التى تجعل منه نموذجا معبرا عن التربة المصرية بعمق ، وتلحقه بركب الكبار فعلا .

ولا شك أننا فى أمس الحاجة إلى القدوة ، فى تلك اللحظة العجيبة التى اختلطت فيها الأمور ، وانقلبت رأسا على عقب ، وصرنا نقف على أرض مائعة ، لا نجد فيها شبرا صلبا نقف عليه .

خلال أيام مهرجان طيبة الدولى كنت أتابع الرجل مفتونا بأصالة المصرى وهى تتجسد فى كل حركة من حركاته ، بل وفى كل إيماءة ، كان يمشى بتلك النياشين الذهبية التى تتدلى من روحه ، وتسطع على بشرته السمراء ، وكم كانت تلك النياشين كثيرة .

يتمثل أولها فى ذلك التواضع المذهل ، وهو تواضع لا يصدر إلا من روح شبعانة بالفعل ، فبرغم المسافة التى تفصل بينه وبين معظم المشاركين من حيث الشهرة على الأقل ، إلا إنه كان أكثرهم إقداما على التواصل الحميم مع الناس ، ومد جسور المودة ، وهو درس لعدد لا يحصى من الأنطاع الذين لا يتقدمون خطوة إلا ليشرعوا فى التعالى على الجبال .

النيشان الثانى هو العفة، والقناعة، وقد ظهر ذلك فى الجلسة الافتتاحية حين أعلن بوضوح انه لم يعد بحاجة إلى تكريم أو جائزة ، وأنه أخذ حقه تماما ، وأن ما يشغله هو حق الأجيال القادمة ، وهذا أمر نادر عند نجومنا فى كل المجالات ، فكلهم يصرخون بأنهم لم يأخذوا حقهم ، وأن الإضاءة لم تسلط عليهم بالقدر الكافى .

النيشان الثالث يتمثل فى العطاء ، فبهدوء شديد يتبرع بميراثه من الأرض لبناء قصر ثقافة وفرع لاتحاد كتاب مصر ، وبالطبع نعرف جميعا ماذا يعنى التبرع بقطعة أرض فى الأقصر تحديدا ، والوقوف وراءها حتى أن رئيس المدينة أعلن أن البناء سيتم فى خلا ل عام ، وأن مهرجان طيبة القادم سوف يشهد افتتاح المبنى.

عطاء بهاء طاهر لم يتوقف عند هذا الحد بل يرصد مبلغا كجائزة سنوية لأديب من أدباء الأقصر، ويحرص على وضع آلية تجعلها دائما من خلال وديعة فى البنك تضمن استمرارها .

هناك أيضا تلك الجدية والاحترام والالتزام البالغ الذى يتعامل بهم فى كافة الأمور ، ففى الوقت الذى كان يهرب فيه البعض من الجلسات البحثية كنا نراه حريصا على أن يكون أول الحضور ، وأن يكون فعالا فى المناقشات ، وكم أثرى تلك الجلسات بمداخلات شيقة وعذبة وعميقة خاصة تلك الجلسة التى اتخذت من أعمال يحيى الطاهر محورا .

تلك بعض النياشين التى كنا نراها بوضوح على صدر بهاء طاهر فتزيده بهاء على بهائه ، وتمنحنا الشعور بأن المناخ الذى نجمع على امتلائه بالأمراض المستعصية ، والأوبئة الظاهرة والخفية ، عامر أيضا بشواهد العافية ، وأن هناك أرواحا تحمل قدرا من الأصالة يجعلها تقاوم تلك الأمراض وتعلو عليها ، وكل ما فى الأمر أنها أخفض صوتا ، لكنها حاضرة ، وقادرة على منح الأمل .