Admin Admin
عدد المساهمات : 170 تاريخ التسجيل : 14/11/2010
| موضوع: مذا تعرف عن السٌاديــة الثلاثاء 22 مارس 2011, 12:41 am | |
| من هو، إذن، هذا الماركيز الذي أصبح اسمه صفة لكل ما هو عنيف ودموي ومؤلم؟ ولماذا بقيت أعماله موضع نقاش إلى اليوم بين رافض لنشرها ومدافع عنها؟ فمنذ أن أكتشفه السورياليون وقدمه موريس هاينه وسلط الضوء على كل جوانب حياته الشاعر جلبيرت ليلي وتبعهم آخرون وآخرون، ولا يزال هناك من يريد اختزاله إلى مجرد كاتب فاجر وشرير جنسي، وليس كاتبا تنويريا أشار بأعماله الروائية "الفاجرة" هذه إلى أهمية حرية الخيال والجرأة على إيضاح ما يراد السكوت عنه. ولفائدة القارئ الآن أن نفتح سيرة دي ساد االحياتية والأدبية وتطوراتها نحو هذا الشك التنويري المَنزع الذي جعلت منه أول كاتب في التاريخ، وبوجه الحقبة التي كان يعيش فيها، يتجرأ على أن يكتب بحرية مطلقة عن الزرقة العميقة للاستيهامات الجنسية السوداء المارقة بين نياط الجسد البشري.
ولد ادوناسيا الفونس فرانسوا المعروف باسم دي ساد، في الثامن من حزيران 1740، في فندق كوندي في باريس. أرسلته عائلته وهو في الرابعة إلى البروفانس، لكي يشرف على تعليمه عمّاته، وخاصة عمّه الخوري دي ساد وهو عالم وماجن في آن. يعود إلى باريس سنة 1750 لإكمال دراسته في كلية لويس لغراند. يُقبَل في سنة 1754 في مدرسة "شيفو- ليجير" التي لا تقبل إلا أطفال العوائل النبيلة العتيقة جدا. يصبح ملازما في فوج مشاة الملك سنة 1755. وما بين 1757 - 1763 ، يشترك في حملات حرب السنوات السبع، وينال ترقيات عديدة.
يتزوج من رينيه بيلجي دومنتري في السابع عشر من أيار 1763. وفي هذا العام بالذات، بعد مرور بضعة أشهر على شهر العسل، ينفّذ ماركيز دي ساد أول أعماله الفجورية في بيت صغير بالقرب من باريس. مما يحبس بسببها بضعة أسابيع في سجن فنسان ثم يُبعث إلى الإقامة الجبرية في نورماندي. وفي سنة 1764، يخلف والده في منصب ملازم أول في اقليم بريس، وبهذه المناسبة يلقي خطبة في برلمان مدينة ديجون. فيما يقضي أوقاته مع ممثلات. غير أن فضيحة تسجل في تاريخه، هي جلد بنت شابة اسمها روس كيلر مع أفعال مدنسة في يوم أحد عيد الفصح سنة 1768. أقامت روس كيلر دعوة عليه، لكنها سحبتها بسبب ضغوط عائلية. إلا أن القانون غرّم دي ساد بمائة جنيه وفرض عليه الإقامة في قلعته في لاكوست التي سيتركها في عام 1796 إلى هولندة وهنا يبدأ بتحرير كتابه "رحلة داخل هولندة على شكل رسائل". وفي آب 1771، يُسجن بسبب الديون المتفاقمة. يكوّن في سنة 1772 علاقة مع أخته القسيسة آن خروسبير دولوني. في السابع والعشرين من حزيران، تتم الفضيحة الكبيرة الثانية في مارسيليا: نكاح مشترك هو وخادمه وأربع شابات عاهرات، ويقال أنها كانت ليلة مجون ودعر كامل: جلد بالسياط، نكاح من الخلف والأمام، لواط وارتشاف الكثير من المنعظات، مما دفع العاهرات الأربع إلى الاعتقاد أنهن قد سممن. فقدموا شكوى ضده وضد خادمه لاتور. يجري تفتيش قلعته. يهرب مع خادمه لاتور وزوجة أخيه إلى إيطاليا. وفي الثالث من أيلول يصدر حكم الموت غيابيا عليه وعلى خادمه. ونفذ الحكم صوريا في أكس بروفانس بعد بضعة أيام. لكن يتم اعتقال دي ساد في الثامن من ديسمبر في فور دو ميولان. يهرب ثانية في بدء 1773. تبدأ سلسلة فضائحه بالخفية في عام 1775، من بينها نكاح مع الخدم والخادمات في قلعته في مدينة لاكوست. وفي هذا العام بالذات يكتب "رحلة داخل إيطاليا أو طروحات قديمة تاريخية وسياسية وفلسفية في ما يتصل بمدينة فلورنس، روما ونابولي". يعود دي ساد سنة 1777، لرؤية أمه المحتضرة، فيعتقل ويسجن في فنسان. غير أن حكم برلمان أكس يُلغى في 177. يهرب دي ساد لكن هروبه لم يدم أكثر من 39 يوما، إذ يلقى القبض عليه وهذه المرة يبقى في السجن لمدة 12 سنة. ومن داخل هذا السجن تبدأ مغامرات دي ساد الكتابية. فها هو ينجز العديد من أعظم أعماله التي خلدته، من بينها "محاورة بين كاهن ومحتضر" (في تموز (يوليو) 1782) وهو نص لم يكتبه على شكل مسرح، لكنه أقرب ما يكون من المسرح، وأراد فيه أن يترك نصا فلسفيا لمجمل تفكيره الإلحادي. والحوار هذا يجسد، على طريقة المآدب الفلسفية، فلسفة دي ساد بأسلوبه الشامل الموجّه، ويوضح موقف "السادية" إزاء الإجرام والتخريب الذين تعتبرهما مساهمين ضروريين لتحقيق "الطبيعة". فالمسرحية تدور بين محكوم عليه بالإعدام وكاهن جاء لإقناع هذا الرجل الضال بالتكفير عن سيئات أعماله الفجورية فجورا عن الدين وأن يستغفر ربه قبل أن يلتقي به. غير أن المحتضر، الرجل الضال في نظر الكاهن، والمحكوم عليه بالموت، لا يتراجع عما كل ما آمن به داعيا الكاهن: " فلتذر أحكامك الجاهزة أيها الواعظ، تخلّص من إسارِكَ، وكن رجلا، كنإنسانا بلا خوف وبلا رجاء. إنسَ الهتك وإنسَ دياناتك أيضا فلا شيء يُرجى منها غير تسليط رجل على رجل - إن اسم هذه الأهوال وحده قد تسبب بضحايا تفوق عدّا ما سببته الحروب والكوارث الأخرى مجتمعةً. اطرح عنك فكرة العالم الآخر فثمة لا عالم، ولكن لا تطرح لذّة أن تكون سعيدا وأن تسعد الآخرين في هذا العالم فالطبيعة لا تمنحك وسيلة غير ذلك لتضاعف وجودك ولتطيل أمده - لقد كانت الملذات المتهتكة يا صاحبي أعزُّ مقْتناي، ولقد تعبّدت لها ما عشت، وكنت أشتهي نهايةً في حضنها. إنّ أجلي يدنو وفي الحجرة المجاورة ست نساء أبهى من ألقِ الفجر، ينتظرن، فأنا كنت قد ادّخرتهن لهذه اللحظة. هلّم وشاطرني المتعة، تمثّل بي وعانقهن عوضا عن عبث المماحكات الخرافية وفي عناقهن حاول لبرهة أن تنسى معتقداتك المنافقة".
وفي العام نفسه (1782) كتب الصيغة الأولى لروايته الأكثر إثارة للنفور والتقزز مما تنطوي عليه طبيعتنا البشرية: "120 يوما في سادوم أو مدرسة الفجور"، وتروي قصة أربعة عصابيين يسجنون 42 ضحية في قلعة ويجرون عليهم شتى طرق التعذيب الجنسية، والرواية كانت موضوع آخر فيلم للمخرج الايطالي باولو باسوليني. وقد أعاد صياغتها دي ساد عندما نقل إلى السجن الباستيل سنة 1784. يبدأ عام (1785) بكتابة الخطوط الأولى لروايته "ألين وفالكور". (1786) الانتهاء بستة عشر يوما من كتابه "تعاسة الفضيلة" (1787)، و"يوجني دي فارفال" المعروفة بعنوان "جرائم الحب" (1788)، قصتان قصيرتان واحدة تدور حول أب يغوي ابنته، والأخرى حول امرأة تعيسة ترتكب سفاح القربى مع أخيها وابنها وأبيها وترسل أمها الى حبل المشنقة.
في الرابع من تموز سنة 1789، يحرض دي ساد، من نافذة السجن، المارّة على التمرد، مما يسبب نقله إلى قسم شارنتون. في الرابع عشر من الشهر نفسه، يتم احتلال سجن الباستيل فيطلق سراحه في الثاني من آذار 1790. وفي التاسع من حزيران هذا العام، تحصل زوجته على حق الطلاق. إلا أن دي ساد قرر الآن أن يناضل في صفوف الفرق الثورية لمنطقة لوبيك. وفي عام 1791، ينشر "خطاب مواطن باريسي إلى ملك الفرنسيين"، وتمثّل مسرحيته "تأثيرات الماجن"، غير أن مسرحيته الثانية "المغْوِِ" تلاقي فشلا ذريعا في سنة 1792 **. وفي العام ذاته تُنهب قلعة لاكوست. يواصل تولي مناصب عديدة في فرقة لوبيك الثورية التي سيصبح رئيسا لها في 1793. إلا أنه في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) يعتقل بتهمة الانتماء إلى المعتدلين. يُحكم عليه بالموت في السابع والعشرين من تموز1794. لكن من حسن حظه يسقط روبسبير في اليوم التالي. فيُطلق سراحه في الخامس عشر من تشرين الأول. وفي منتصف 1795، تصدر روايته الهائلة "الفلسفة في المخدع" وتدور حول مراهقة ساذجة اسمها "يوجيني"، جلبتها أمها الى قصر يمتلكه ثلاثة فاجرين، لكي يقوموا بتربيتها تربية جنسية تتدرب فيها على كل أفانين النكاح. فشخصية دولمانسيه المسيطرة تلقن يوجيني بأن كل ما يسمى، أخلاق، دين، تواضع ورأفة، ما هي الا مفاهيم سخيفة لا معنى لها تعيق هدف الوجود الإنساني الوحيد: اللذة. إذ، "يجب على فتاة جميلة أن لا تشغل نفسها بأي شيء آخر سوى النكاح، وأن لا تنجب". وقد أهدى دي ساد روايته هذه "إلى كل الشبقيين ومن كل الأعمار" وطالب من جميع الشابات أن يأخذن يوجيني مثلا في حياتهن من أجل اللذة، وأن يتأثر الشبان بكل تعاليم دولمانسيه. وأن يتخلى الجميع عن كل التعاليم التافهة التي حقنتها العائلة فيهم.
يضمّن دي ساد، أيضا، في هذه الرواية، فصلا يحرض فيه الفرنسيين على "التصدي الحازم للدين وقساوسته المجرمين"، وقد عنون هذا الفصل الذي كثيرا ما استعملَتـْه، فيما بعد، الحركات الثورية الفرنسية، وإلى اليوم، كراسا راديكاليا ضد الكنيسة والدولة: "أيها الفرنسيون، عليكم بجهد آخر إذا أردتم أن تكونوا جمهوريين". وفي الحقيقة أن عنوان الرواية "الفلسفة في المخدع" يعبر عن هذين القطبين في الرواية: الخطاب الفلسفي والسياسي والمضاد للأخلاق من جهة، ومن جهة أخرى الممارسات الجنسية التي تخضع لها المراهقة يوجيني: فالمخدع يقع بين الغرفة المخصصة للنكاح (تدريب يوجيني على كل الطرق المؤدية للمتعة) وصالة المحادثة (النقاشات الطويلة في الفلسفة والقانون والأخلاق). إن وجود هذين القطبين في رواية "الفلسفة في المخدع" يدل على رؤيا مجازية عميقة قد يحجبها الفعل الجنسي العنيف الذي تتغذى منه الرواية: ذلك أن دعوته الى "جهد آخر..." من اجل تحقيق الحرية السياسية واستقلالية الفرد كمواطن جديد، لهي إيضاح بأن لكل تحرر سياسي واجتماعي تحررا جسديا موازيا، ومن هنا نقرأ مضمرا: جهد آخر في اطلاق عنان الرغبة الجسدية، فتتحرر يوجيني، المراهقة التي أصبحت الآن امرأة بفضل هذه التربية الجنسية الحرة بكل معنى الكلمة، من كل القيود الأخلاقية والدينية، وأن تصبح سيدة جسدها؛ ككائن بشري جديد.
وما إن يطل عام 1796 حتى يتم بيع قلعة لاكوست. فيقوم في سنة 1797 برحلة إلى البروفانس، وفي العام 1799 نفسه تصدر روايته "جوستين أو نوائب الفضيلة" متبوعة بـ"قصة جولييت، أختها" وهما روايتان تكملان الواحدة الأخرى: فجولييت تسلك مباشرة طريق الرذيلة من دون عقدة ذنب، باحثة عن المتعة بأي ثمن كان، وتجدها في معظم الأحيان، أما جوستين فعلى العكس اختارت أن تسلك طريق الفضيلة لكنها عانت الرذيلة بأقصى درجاتها مع رجال يدعون انهم اصحاب الفضيلة وهم يفجرون بها وبكل وسائل الفسق الممكنة، فكانت تُخدع حتى من أولئك القساوسة الذين ذهبت الى ديرهم بحثا عن الفضيلة، فأحتالوا عليها وفسقوا بها.
وجد ساد نفسه بعد سنوات في وضع مزري مما دفعه الأمر إلى الاشتغال في مسرح فرساي. تم اعتقاله، مرة أخرى وأخرى، في السادس من آذار/ مارس 1801 بينما تظهر بعض أعماله مثل "جرائم الحب". وفي الرابع عشر من آذار/مارس 1803، بعد أن أكتِشف أنه يحاول مغازلة بعض السجناء الفتيان، ينقل إلى سجن سان بييج وهو سجن مرعب ومظلم. إلا أنه ينقل بعد وساطات عائلية إلى مصح شارنتون. ينتهي من كتابة "أيام فلورييل أو الطبيعة المعراة"، غير أن الشرطة تستولي على المخطوطة، ولن يراها دي ساد من بعد، ويتم حرقها مباشرة بعد موته. في الثاني من آب /اغسطس 1808، يقدم المسؤول الطبي في مصح شارنتون تقريراً إلى وزير الداخلية "حول المخاطر التي يولدها حضور مؤلف رواية جوستين السيئة الصيت"، ويتابع المسؤول بأن "دي ساد ليس مجنونا.
إن جنونه الوحيد هو فجوره... وثمة إشاعة تتردد في المصح بأنه يعيش مع امرأة بحجة أنها بنته". كما يطالب المسؤول من وزير الداخلية بهدم المسرح الذي بناه دي ساد داخل المصح فهو "خطر على المرضى" ومجال لتمرير أفكاره الهدامة. وبالتالي بضرورة نقله إلى سجن أو حصن.
ورغم تدخل مدير شارنتون لصالح دي ساد، يوافق الوزير على قرار نقل دي ساد إلى سجن Ham. وبعد وساطات العائلة والمدير والطبيب، يؤخر الوزير تنفيذ قرار نقله إلى 15 آذار/ مارس 1809. وفي 21 نيسان/ أبريل يرجأ القرار نهائيا. وفي 18 تشرين الأول/ اوكتوبر، يصدر وزير الداخلية قرارا عنيفا ضد دي ساد، يقول فيه: "أما بصدد دي ساد... فهو يعاني من أخطر حالات الجنون، وأي اتصال بينه والمرضى الآخرين يسبب مخاطر لا شفاء منها. وكتاباته لا تقل خطرا عن تصرفاته. لذا أقرر بنقله إلى غرفة منفصلة حتى تمنع عنه كل الاتصالات مع الآخرين... والحذر المطلوب هو أن لا يُزوّد بقرطاس أو حبر أو ورق، وتقع على مدير المصح مسؤولية تنفيذ هذا القرار". وهنا إشارة من الوزير إلى تهكمه من اعتبار مدير المصح نفسه بأنه يدير ملجأ إنسانيا. وهكذا يعاني دي ساد تحقيقات إرهابية على يد عدة مسؤولين في الدولة، حتى نابليون نفسه يقرر بضرورة إبقائه في مصح شارنتون.
ومما يزيد الطين بلة، ظهور عدة طبعات سرية لكتابه "جوستين"، مما أضطر دي ساد إلى التصريح بأنه ليس مؤلف هذا الكتاب. وفي منتصف سنة 1813 يأتي قرار بمنع فعاليات مسرحية في المصح. أخذت صحته تتدهور ولم يفد أي تدخل لصالحه بإنقاذه. وهكذا قضت هذه الروح الحرّة معظم حياتها في السجن الذي دخلته لأول مرة عام 1763 لتمضي في ظلماته سبعا وعشرين سنة من الحبس المتقطع، موزعة على ثلاث أنظمة سياسية وإحدى عشر سجنا، انتهت في مصح عقلي عند موت الماركيز في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 1814، إما بسبب احتقان رئوي أو حمى غنغرينية حادة، فالقرار الطبي آنذاك لم يحدد السبب المضبوط. وقد ترك وصية يحرّم فيها فتح جثمانه تحت اية ذريعة كانت، وأن يبقى في الغرفة التي يموت فيها لمدة 48 ساعة في نعش خشبي يجب أن لا يغلق إلا بعد مرور 48 ساعة، ثم يدفن في مِلكـيّـته في مالميسون قرب ايبيرون. إلا أن السلطات دفنته في مقبرة شارنتون، ضمن الطقوس المرعية رغم وصيته المضادة لهذه الطقوس. وقد كلفت طقوس دفنه 75 جنيها: عشرون للصليب، عشرة للتابوت، ستة للكنيسة، تسعة للشموع، ستة للقس، ثمانية لحاملي النعش وستة لحافر القبر. وفيما بعد نقلت جمجمته لتجري عليها فحوص علم الفراسة.
"إن أكثر الناس تسامحا لن ينفي حقّ العدالة في قمع الذين يجرؤون على نشر الإلحاد، ولن ينفي حقها حتى في إعدامهم إن لم تتمكن بطريقة أخرى من تخليص المجتمع منهم. إذا كان بإمكان هذه العدالة أن تعاقب من يسيء إلى شخص واحد، فلديها دون شك الحق نفسه في معاقبة الذين يسيئون إلى مجتمع بأكمله برفضهم أن هناك إله... شخص من هذا النوع يمكن النظر إليه عدوا لمجمل الآخرين." يعطي هذا المقطع، الذي كان ديدرو ودالمبير بين موقّعيه، فكرة عما كان عليه القرن الثامن عشر، بالرغم من ادعائه التنوير وأفكاره الليبرالية، من تزمت في الآراء وتصلب في المعتقدات حتى لدى فلاسفته الأكثر إدعاء بالالحاد.
ماركيز دي ساد، الفاجر فجورا عن كل صراط ديني وأخلاقي، مستقيم أو غير مستقيم، هو ابن هذا القرن؛ قرن التنوير المتواطئ. عُتِّم على أدبه لمدة قرنين. كان عليه أن ينتظر ظهور السوريالية حتى يُزاح عنه الستار فها هي أعماله، منذ أن وجدت كتابا ذا ضمير حي ومخلص للحقيقة، كموريس هاينة، وجلبيرت ليلي، أخذت تذهل معظم كتاب طليعة القرن العشرين وحداثتها، بالأخص السورياليين.
عالم دي ساد، عالم السجن الذي فضل البقاء فيه، على أن يتخلى عن أفكاره ورؤاه، إنه عالم مغلق وصفه بروتون "بالحافز الآخر لفائض الخيال، بعد الحافز الأول: العبقرية". ففي أعمال دي ساد تتحوّل الزنزانة إلى مَخدع يتوحد فيه الجسد والفكر لتحقيق لذاتهما القصوى، وبالتالي المقصية في دهاليز المحظور بسبب التقاليد والأعراف المفروضة دينيا. ورغم صعوبة الحياة في السجن ، كان دي ساد يرفض أي عرض لاطلاق سراحه على حساب أفكاره. فقد كتب في 1783 رسالة إلى زوجته التي تطالبه بأن يتخلى عن تصرفات فكره، وأن يخفف من مواقفه علّه يحصل على العفو ويطلق سراحه: "إذن، تقولين إن طريقة تفكيري لا يمكن قبولها... وهل تظنين إني اهتم لذلك؟ يقينا أنه أحمق بائس ذلك الذي يتبنى منوالا للتفكير من أجل الآخرين. إن أسلوب تفكيري ينبع مباشرة من تأملاتي.. إنه يحتوي وجودي؛ الطريقة التي خُلقت بها. ليس في قوتي أن أغيرها، حتى لو كان في إمكاني ذلك، فلن أفعلها.
فطريقة تفكيري هذه والتي تستهجنيها أنتِ، هي ملاذي الوحيد في حياتي. إنها تخفف كل معاناتي في سجني. إنها تكوّن كل متعتي في العالم الخارجي. إنها أكثر رفقة لي من الحياة نفسها. ليست طريقة تفكيري هي ينبوع تعاستي إنما الطرق التي يفكر بها الآخرون. فالإنسان المدرك - والذي يزدري التغرصات الساذجة سيصبح بالضرورة عدوا للسذاجة- عليه أن يتوقّع شيئا ما. عليه أن يسخر من المحتوم. هاك مثلا: مسافر يرحل على امتداد طريق جميل، لكنه مليء بالفخاخ. يسقط في واحدة منها. أستقولين أنه خطأ ذلك المسافر أم خطأ ذلك النذل الذي وضع الأفخاخ؟
إذن، وكما قلت لي بأنهم يرغبون في أن يعيدوا حريتي، إذا كنت مستعدا أن أدفع من أجل ذلك مبادئي ونزوعاتي. سيكون وداعا بيننا، دون أن أفترق عن أي منهما. سأضحي بألف حياة، سأضحي بألف حرية إذا ما قدر لي أن أحتفظ بها. أنا متعصب لا أحيد قيد شعرة عن تلك الميول والمعتقدات، وتعصبي هذا هو نتاج كل الاضطهادات التي تحملتها من مضطهدي. أكثر فأكثر يستمرون في تكديري أعمق فأعمق تترسخ جذور تلك المعتقدات في قلبي. وها أنا أعلن على رؤوس الأشهاد بأنه ليس هناك جدوى في أن يحدثني أحد عن الحرية إذا ما عرضت علي مقابل تدمير معتقداتي".***
من أقوال الماركيز دي ساد
* حتى نعرف معنى الفضيلة علينا أولا أن نختبر بأنفسنا الرذيلة * أتفق على أن المتعة الجنسية شغف يخضع له الجميع، لكن كلهم يتوحدون فيها.
* كل الناس مجانين، وهذا الذي لا يريد أن يراهم عليه أن يبقى في غرفته ويكسر مرآته.
* ليس هناك شغف أكثر أنانية من الشغف بالفسق.
* تكمن السعادة في ما يثير ويهيّج، وليس هناك شيء يثير سوى الجريمة، أما الفضيلة، التي هي ليست سوى حالة خمول واستراحة، فإنها لا تفضي إلى السعادة.
* التدمير، من الآن فصاعدا كالخلق، تكليف من الطبيعة.
* في صمت القوانين تولد الأفعال الكبرى.
* أنا إنسان الطبيعة قبل أن أكون إنسان المجتمع.
* يخطبون ضد الأهواء دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التفكير في أن الفلسفة تضيء منارها من مشاعل هذه الأهواء.
* أهواء الإنسان ليست سوى وسائل تستخدمها الطبيعة لكي تبلغ مرادها.
* جسدك كنيسة حيث تطلب الطبيعة أن تقدّس.
* كل شيء هو جيد عندما يكون متجاوز الحد.
* هل الحب مرض يمكن الشفاء منه؟
* تنعدم السعادة حيث يتساوى الناس.
* الرؤية تصديق، لكن الشم، منتهى التأكد.
* الخيال هو مهماز اللذات، كل شيء يعتمد عليه ... إنه القوّة الدافعة لكل شيء، أليس عن طريق الخيال يعرف المرء الفرح؛ أليس من الخيال تنشأ المتع الجياشة.
* ليس في الجريمة شيء بشع عندما ننكح، ودائما في منتصف سيْل المني، يجب مداعبة المفاتن.
| |
|